تتجلّى قمّة التناقض بين اعتبار رئيس حكومة تصريف الأعمال بعد الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء أن "قرار تعيين اللواء حسان عودة رئيساً لأركان الجيش يكتسب ضرورة في هذه الظروف التي يمرّ بها لبنان".
لكن أحكام هذه الضرورة، تبقى سياسية بامتياز بمعزل عن الدستور والقانون، فهي لبّت إرادة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط بصفته المرجع الفعلي لحزبه وطائفته، كما تقاطعت مع "حزب الله" الذي واكب وزراؤه هذه الخطوة بالرضا والقبول، تماماً كما خطوة التمديد لقائد الجيش جوزاف عون، ووجهت ضربة جديدة إلى رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، الذي فقد قدرته على التعطيل، ولم يعد يملك إلا الاعتراض على تجاوزه وتكرار لازمة انتهاك صلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين، واستنكار "نحر دستور الطائف"، وكأنّ أحداً نسي أن انتهاك "اتفاق الطائف" كان الهدف الأول للتيار ورئيسه، منذ اللحظة الأولى لإنجاز الاتفاق وحتى مغادرة قصر بعبدا وتكريس الفراغ.
لكن المسألة تبقى أبعد من هذا التعيين وردود الفعل الباسيلية عليه، وإن حملت إشارة جديدة تكشف مدى تردّي النفوذ السياسي لجبران وانهيار معادلة "التمثيل المسيحي الأقوى".
فالواضح أنّ ما يحصل في مجلس الوزراء يلبّي متطلبات صفقة المفاوضات التي تتبلور تفاصيلها أكثر فأكثر، سواء على جبهة غزة أو على الجبهة اللبنانية، يدل عليها نشاط الوفود الدولية، والفرنسية منها تحديداً، لأنها الوحيدة المخوَّلة نقل الرسائل الأميركية إلى "حزب الله"، ما يعني أن التفاوض الفعلي هو مع الحزب بصفته الأقوى والأقدر على تنفيذ الاتفاقات على الأرض بما يلبّي طموح رأس محوره الإيراني.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الى بيروت لتؤكد المؤكد، وإن راعت عنوان "اللقاءات المهمة مع كبار المسؤولين في الجمهورية اللبنانية، في إطار التشاور حول مختلف التطورات والمستجدات"، إلا أن التشاور الأهم سيبقى مع الحزب، لأنّ المؤتمن الوحيد لتحصل المكاسب السياسية التي تصب لمصلحة مشروعه. وأيضاً مع ممثلي "الجهاد الإسلامي" وحركة "حماس".
فكل الحدّة على الجبهات من القطاع إلى جنوب لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن، تترافق مع الاتصالات الجارية اقليمياً ودولياً، بشأن الهدنة في غزة، وتواكب لقاءات حركة "حماس" والوسطاء من المخابرات المصرية الى قطر، بعد اعلان الحركة قبولها بمبدأ الهدنة.
والأهم أنها تترافق، وفق بعض التسريبات مع "لقاءات أميركية - ايرانية، جارية هذه الايام في سلطنة عمان وبشكل مباشر".
وكأن سلّة متكاملة هي في طور التكوين. ولبنان من ضمنها، لذا تأتي عمليات ملء الفراغات التي قد تعرقل نضوج الصفقة. وتكفي متابعة التطورات المتعلقة بإعادة تركيب بازل السلطة، بموجب شروط "حزب الله"، لنتذكر تركيبة "الترويكا" التي كانت قائمة خلال مرحلة سيطرة النظام الأسدي على لبنان.
ومثل هذه التركيبة مطلوبة حالياً، وتستوجب عودة رموزها، وهي لا تقبل الشغور في مواقع الطوائف الرئيسية، وتحديداً الطائفة السنية، لذا التمهيد والتشجيع لاستئناف الرئيس سعد الحريري نشاطه السياسي بعد ذكرى اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط الحالي. ولذا الترجيحات بنيل الحزب مراده الرئاسي مع سليمان فرنجية مقابل تسهيل مرور الصفقة وفق الشروط الدولية والإقليمية التي لم تعد سرية.
ولذا رسائل الود بإيعاز من باسيل إلى الحريري الابن بعد منعه من تشكيل حكومته في آخر العهد، وتحميل تبعات ما ارتكبوه من نهب لمقتدرات البلد إلى الحريري الأب، بغية حجز موقع في السلطة.
فالتسوية على قياس الحزب ورأس محوره، حتى تصل إلى خواتيمها تستدعي تعيين رئيس للأركان في وطن بلا أركان... ونقطة على السطر.
المصدر: نداء الوطن